![]() |
السعادة وعلاقتها بالآخرين |
في إحدى الندوات المقامة، المتألفة من ما مجموعه 70 شخصًا. قام صاحب الندوة فجأة
وبدأ بإعطاء كل شخص بالونًا. ثم طُلب من كل المندوبين كتابة اسمه / اسمها
عليها باستخدام قلم كتابة. بعدما أتم الحضور الكتابة، هم المتحدث بجمع كل
البالونات ووضعها في غرفة أخرى.
الآن تم السماح لهؤلاء المندوبين بالدخول إلى تلك الغرفة وطُلب منهم العثور على البالون الذي كتب اسمه عليه. في غضون 10 دقائق، كان الجميع يبحثون بشكل محموم عن أسمائهم، ويدفعون، ويصطدمون ببعضهم البعض، ونشبت فوضى عارمة.
في نهاية 10 دقائق، لم يتمكن أحد من العثور على بالونه الخاص. بعدها ببرهة طلب صاحب الندوة من كل شخص أن يأخذ بالونًا بشكل عشوائي ويعطيه للشخص الذي كُتِب اسمه عليه. وفي غضون دقائق كان لدى الجميع بالونهم الخاص.
إذن هل السعادة مقترنة بنا أم لها علاقة مع الآخرين ؟
ينعل أغلب الناس الحياة أو الطريقة التي يقضون بها حياتهم. في حين ترى البعض الآخر راضيين تماماً عنها. لكن علينا أن نتسائل طبعاً، أين تكمن المشكلة ؟ أو ما الذي يجب أن يفعله الانسان حتى يصبح سعيداً ؟.
كبداية علينا أن نعترف أولاً أن السعادة شيئ نسبي للكثيرين ولا يمكن أن نقترنه بأمر ما ثابت، تنتهي بالوصول اليه.
يتفق أغلب الفلاسفة والعلماء، أن البشر يربطون بين السعادة والغرائز. ويصبح الأمر كملئ خزان ماء لفلاح ذو حقل جاف، لكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعور بمجرد إفراغه، تماماً مثلما نُسَربأموال تدخل حسابنا البنكي، لنحبط بعدما تنتهي في فترة معينة.
هذا ما يجعلنا نشعر بالسعادة المؤقتة، لكن لماذا يعود الانسان الى الركود بعد انقضاء فترة مؤقتة من منها ؟.
أولاً ماهو الشعور بالسعادة ؟
مفهوم السعادة باختصار هو احساس أو أثر نفسي يغمر الانسان بعد أداء أو فعل أشياء ترضي نفسه أو غريزته. يختلف مقدارها وردود أفعالها من شخص الى آخر. حسب نوع الأمر المنجز والحالة التي يقبع بها الفرد.
وتعتبر السعادة الداخلية هي أسمى درجات السرور والسعادة التي يتصالح فيها الانسان مع نفسه، ويكون معها على وفاق تام دون حواجز وهمية يصنعها بعد كل فترة لارضاء غرائزه.
طرق غير تقليدية لتحقيق السعادة ؟
ربما قد خرج المفهوم الأصلي في أن يكون المرء سعيداً عن إطاره، كاللجوء لأدوات خارجية تعطينا جرعة مؤقتة من السعادة الوهمية المتمثلة في جزيئات دوبامين ترفه عنا بعض الوقت.
لكن هذا التدخل اليدوي أو بشكل أدق الغير أوتوماتيكي لتوليد السعادة يشكل عائقاً كبيراً مع مرور الزمن، بالبحث عن جرعات مضاعفة. تكون عبر المخدرات والحشيش وغيرها من المواد المدمرة لكيمياء الجسم. ونحن لسنا بصدد شرح هذا اليوم.
لكنه هو الآخر يعتبر تمرداً على السعادة ويصنف كجزء منها. فالهارب من الواقع لن يجد النور في ما سواه.
هل بلوغ السعادة ممكن في القرن 21 ؟
![]() |
هل تحقيق السعادة ممكن في القرن 21 ؟ |
حتى نشرح الأمر، يتطلب من الفرد الوصول لأدوات تحقيق السعادة. هذه المتطلبات
متغيرة ويمكن حصر بعض منها فيما يلي:
- الاكتفاء المادي والوصول لدرجة القناعة
- الصحة وهي من أهم العوامل
- التطور والوصول التدريجي للاهداف
- بناء علاقات قوية تزيد من ثقة الانسان في نفسه وفي علاقاته
- عادات حميدة، كالتعايش والخلوة ومعرفة الاحتياجات النفسية
- تجاهل الأخطاء والسلبيات المرتبطة بالآخرين
- قبول الذات وعدم الانصياع لآراء الآخرين
اليوم من الصعب تحقيق كل هذه المتطلبات، وان تحققت زاد طمع الانسان في أمور أكبر، فيدخل في دوامة من الشراهة الغير منتهية. مما يعيد اليه الشعور بالاحباط مجدداً.
التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لها قدرة على سحبنا من عالم مرح الى عالم موازي حزين. بإدخالك في دهليز المقارنات وتدقيقات التي لا تعنينا، فننسى نهائياً رمز الخروج من هذا الدهليز.
المحيط السلبي، يشكل فقاعة ثابتة من اللا استقرار نظراً لنوع المحادثات اللا مسؤولة أو بالأصح اللاعقلانية اتجاه مواضيع نحن عن غنى عنها.
الوضع المادي، في حدود الإتزان الأمر جيد، لكن جشع الانسان في نسق تصاعدي مخيف، كتغيير الهواتف، التسوق واتباع كل ماهو جديد، التفاخر بالأثاث والعقارات....، وغيرها من الأمور الدنيوية الزائلة التي لن تصمد كثيراً في ميزان السعادة.
الإطار الصحي، هو الآخر رقم يصعب تحقيق السعادة في غيابه، فالتأثر بحالة صحية معينة سيؤثر على صحتك الجسدية والنفسية بالكامل، طبعاً ان ظهر غير ذلك.
التأثيرات الجانبية، نتيجة المشاكل والعقبات المتواصلة التي يولدها محيط العمل، الأفراد المقربين، السلبيين المنتشرين في كل مكان.
التصنيف العلمي، بأن يشكك المرء في قدراته الذهنية خاصة عند المرور بمراحل تتطلب ذلك.
إذن ماهي عوامل تحقيق الإنسان للسعادة ؟
- إذا أردت أن تكون سعيداً حقاً، يجب أن تفصل بين المحطات المختلفة لحياتك، فخلط مثلاً ضغط العمل مع مجريات يومك الأخرى كالعائلة أو الأصدقاء قد يأثر على نفسية الأفراد المحيطين، وبالتالي نفسيتك.
- ان يتمتع الانسان بشخصية ومبدأ للحياة، هذا من شأنه أن يصنع ممراً نفسياً يسهل عليك خوض مطبات الحياة دون التأثر بالأمور الجانبية.
- الابتعاد عن المقارنات فهي أخطر أسباب تشكل الإحباط، واللهب الذي يأجج ذلك هي وسائل التواصل الاجتماعي كأنستغرام وسنابشات، على الخصوص. حيث تميل نفسية الانسان خلالهما الى مقارنة حياتهم بحياة الآخرين كالأصدقاء والجيران والفنانين والمشاهير، مما تولد لديهم عقدة النقص ووهم أن الآخرين يعيشون في نمط حياة مثالي.
- الاكتفاء بما تملك، والتأكد بأنه مهما اقتنيت واستهلكت كثيراً، فانك ستشعر بالسعادة المؤقتة وتدخل دائرة الطلب والتحقيق التي ستتزايد مكافئتها بشكل مستمر، مما قد يصنع حالة من عدم تقبل للذات ان لم يتم تحقيق الأكثر.
- الراحة المهنية، نقصد هنا جو العمل لعله أهم من الراتب نفسه، فهو مرآة للسعادة الدائمة.
- الاعتراف والايمان الكامل بأن ما تملكه هو مسطر. وما هو لك سيكون لك بإذن الله فقط اصبر واستمر.
- اعطاء قيمة لاشياء لا تملكها، وتتجاهل ما بين يديك. وهذه من أولى أمور زوال النعمة فالحمد لله دائماً وأبداً.
- ان ظننت أنك تعيش حياة سيئة، فانطلق نحو دور العجزة والمستشفيات.. وسترى مالا قيمة له، قيماًً (الصحة).
- كن راضياً تماماً بما تفعل سواء من أعمال أو توجهات، وكن مفيداً بتعلم واتقان شيئ ما يستفيد منه الآخرين.
- الروتين الثابت دون تغيير، عامل نفسي مضجر. لذا يجب التغيير بين الحين والآخر كتعلم عادات جديدة(لعل كتاب عادات ذرية سيكون ضالتك)، لغة جديدة .....
- أهم نصيحة، ملأ وقت الفراغ. حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ، والفراغُ».
وهذا من اكثر الفيديوهات التي احبها شخصياً عن التذمر الحاصل للعالم وما يظنه من سوء حول ما يملكون
أعلى درجات السعادة "الرضا"
الرضا، هو أسمى حالات السعادة التي يمكن للانسان بلوغها، وهي التوافق الكلي بين الروح والجسد، يصل صاحبها لأعلى درجات الحكمة.
حيث يصنع الرضا هالة كبيرة من التقبل التفسي للذات والآخرين بالإضافة للقناعة، المرونة، الانفتاح، حب الآخرين، مساعدتهم، وتمني الخير لهم. وكلها صفات تشير لوصول الفرد لمرحلة صلبة من الكمال النفسي. تغنيه عن جميع غرائز وماديات هذا العالم.
كيف نحصلها ؟ الأمر يتطلب وقتاً، فهو حالة من الخبرة والحكمة القائمة بعد جهود وانكسارات وصدمات وأهواء الحياة التي يمر عليها الشخص. فينشأ لديه نوع من التقدير الذاتي والقناعة بما هو عليه دون التأثر بالعالم الخارجي المريض.
ختاماً...
يقول ابن القيم عن السعادة "أغبى الناس من ضل في آخر سفره، وقد قارب المنزل."
وبإكمالنا لقصة البالونات، فقد كان مفهوم السعادة من وجهة نظر صاحب الندوة حينما قال: هذا بالضبط ما يحدث في حياتنا.
يبحث الجميع بشكل محموم عن السعادة في كل مكان، ولا يعرفون مكانها. سعادتنا تكمن في سعادة الآخرين. امنحهم سعادتهم، وستحصل على سعادتك الخاصة أنت أيضاً.