عندما يتعلق الأمر بالنظافة، فاننا نرى البعض مهووساً بها لدرجة جعل كل شيئ يلمع من حوله، الأثاث، الارضية، الحائط، الأسقف، بالاضافة للمطبخ وكل ما يتعلق به.
لكن نجد البعض الآخر لا يبالي اطلاقاً بما يحدث لمجريات محيطه وما يعتريه من تراجع فادح في مقدار التطهير الذي يتطلبه.
إذن فأين المشكلة؟ وما المقدار المحدد من النظافة الذي يلزمنا بلوغه؟، حتى لا نُفرط ولا نقلل من معايير النظافة الأساسية.
ماهو مقدار النظافة الذي نحتاجه في حياتنا ؟
لو نتبع الجانب العلمي اتجاه ظاهرة النظافة، سنجد ان هناك تناقض حولها، فبينما يقول المنطق ان مستوى النظافة الجيد يساعدنا في محاربة العدوى والامراض.
يقول العلم ان منتجات التنظيف التي نستخدمها يوميا تقتل البكتيريا المفيدة لمصلحتنا.
هناك فرضية تقول ان النظافة الزائدة عن الحد، هي السبب في عدد المصابين بالحساسية وغيرها من الاضطرابات الاخرى اليوم. حيث اصبح العالم مليئاً بهذه الانوع من الأمراض كالربو والاكزيما والعيون...
إذن، هل التنظيف شيئ سيئ ؟
اول من تحدث عن فرضية ان التنظيف شيئ سلبي، هو طبيب الأوبئة "ديفيد ستراشان". حيث استنتج عام 1989م خلال عمله في جامعة لندن أن مظاهر الحياة العصرية لم تسمح لنا بالتعرض للكثير من الميكروبات اثناء الطفولة المبكرة لذلك أصابتنا حساسية في الجهاز التنفسي أو الجلد.
أما الأطفال الذين يكبرون في مناطق فلاحية أو يربون حيوانات أليفة أو أطباقهم تغسل دون معقمات او غسالات، تكون صحتهم أحسن.
تقول الطبيبة "سالي بلونفيلد" من جامعة لندن للصحة: "إن أغلب الدراسات في السنوات الأخيرة، تربط مختلف الأمراض بشيئ اسمه Microboum، وهي الكائنات الحية الدقيقة أو الميكروبات التي تعيش داخل الانسان أو على جلده".
هذا سيتركنا مشوشين أكثر، حيث أنه كيف لنا التفريق بين الميكروبات المفيدة لصحتنا وماهي الغير مفيدة. لكن ظهرت دراسة في ألمانيا سنة 2013، خلصت الى أن المهم هنا هو التنوع في الميكروبات.
ماهو التنظيف الصحي ؟
تحتوي معظم الدواجن على بكتيريا تسمى البكتيريا المنحنية (ذات شكل حلزوني). وهي البكتيريا التي تسبب التسمم وتنتقل بسهولة من الدجاج النيئ الى الأيدي وألواح التقطيع.
لذلك يعتقد مستشارو السلامة الصحية أن أي نظريات من شأنها أن تجعل الناس يتراجعون عن التطهير وغسل اليدين تعتبر من النظريات الخطرة.
ومنه يجب على الانسان أن يغسل يديه قبل وبعد الطهي. وقبل تناول الطعام وبعد الذهاب إلى الحمام وبعد ملامسة الحيوانات لتلافي مشاكل التسمم وأمراض المعدة والتهابات الجهاز التنفسي.
هل التطهير الخاطئ يعزز من البكتيريا ؟
لا يعني غسل اليدين وتنظيف المطبخ جيداً، استخدام المنظفات الخالية من الكحول والتي تقتل 99٪ من الميكروبات، على عكس ما تروجه الإعلانات التجارية. هذه المنتجات أكثر ضررا على صحتنا هل تدرك لماذا ؟
بكل بساطة لأنها تجعل البيكتيريا أكثر قدرة على البقاء والمقاومة، مما أدى الى أن المضادات الحيوية صارت لا تعمل كالسابق. وهذا ما يمثل مشكلة حقيقية، خطيرة على صحة البشر. لهذا السبب أطلق العلماء على البكتيريا المقاومة اسم "البكتيريا الخارقة".
في ديسمبر 2016، صنفت الأمم المتحدة مشكلة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية في فئة الأزمة العالمية، وقالت منظمة الصحة العالمية (WHO) إننا سنجد أنفسنا قريبًا جدًا في حقبة ما بعد المضادات الحيوية.
أين ستكون أي إصابة طفيفة خطيرة للغاية تهدد حياة المصاب، ولهذا السبب يحاولون إيجاد أنواع جديدة وفعالة من المضادات الحيوية.
تجارب جديدة لمحاربة البكتيريا الخارقة
وجد باحثون في جامعة روكفلر في أمريكا، مركبًا يسمى "Malacidin" أثناء تحليلهم لعينات لأكثر من ألف نوع من التربة. وبعد حقن الفئران المصابة ببكتيريا خارقة تسمى "MRSA" لاحظوا شفائها من عدوى الجلد التي تسببها تلك البكتيريا.
لذلك يعمل الباحثون على تطوير سلالة جديدة من مضادات الأجسام المضادة. تكون فعالة لمقاومة البكتيريا الخارقة.
هناك أيضاً نوع من البكتيريا تسمى "Listeria" تسبب التسمم الغذائي ويعتبر نوعًا قاتلًا هو الآخر من البكتيريا.
الخبر السيئ أنها أصبحت قادرة على مقاومة المضادات الحيوية ولكن هناك بحثًا نشرته جامعة إدنبرة في اسكتلندا سبتمبر 2018، يحمل أملاً كبيراً فيما يتعلق بمحاولات مواجهة البكتيريا الخارقة حيث يقول البحث: "إن مضاداً حيوياً يسمى فوسفوميسين قادر على قتل الليستريا".
وقد اكتشفوا أن الجينات التي تنشط فقط عندما تهاجم البكتيريا الجسم. تقوم بالغاء أثر الجين المقاوم للأدوية لذلك لا يظهر تأثير الدواء على الجرثومة قبل دخولها الجسم.
كيف تتم عملية التطهير الصحي ؟
منذ عام 2016، حظرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). استخدام مواد كيميائية معينة في صنع الصابون المضاد للبكتيريا من أجل المساعدة في إنجاح محاولات قتل الجراثيم المقاومة للبكتيريا.
بالإضافة إلى تجربة نُشرت في مجلة العلاج الكيميائي المضاد للميكروبات حيث قاموا بتوعية متطوعين ببكتيريا الوجه ثم طلبوا من بعضهم غسل أيديهم بالصابون وهو صابون مضاد للبكتيريا، بينما طلبوا من الآخرين غسل أيديهم بالصابون العادي.
كانت النتيجة تقريباً نفس الشيء، إذن ما الذي ستفعله إذا لم تجد الماء والصابون العادي؟
حسنًا، يمكنك استخدام سائل معقم لليدين أو ما يسمونه "مطهر اليدين" الذي يحتوي على نسبة كحول تزيد عن 60٪. هذه المطهرات فعالة في مقاومة الجراثيم دون التأثير على صحتك.
- ماء وملح أو الكلور
- ماء وليمون
- ماء وخل
مشاكل النظافة المفرطة
حسنًا، كم عدد الأشياء القذرة التي تلمسها كل يوم ؟ مقابض الأبواب، عربات التسوق، أجهزة التحكم عن بعد، أزرار المصعد، المراحيض العامة، أنظمة التنظيف بهاتفك المحمول والعديد من الأشياء الأخرى.
كل هذه الأشياء مليئة بالجراثيم، ومع ذلك عندما نلتقي بشخص ما، فإننا نصافحه بحرارة إلى حد ما. لأن هذه هي الطبيعة البشرية، ولكن وفقًا لبحث عن جامعة كولورادو يقول أن: "يد تحمل في المتوسط 3200 بكتيريا من حوالي 150 نوعًا مختلفًا".
لك تخيل ذلك! لذلك يمكن بسهولة نقل الأمراض بين البشر بمجرد المصافحة. حسنًا، قد يسأل المرء ماذا نفعل إذن ؟ ألا نتصافح بعد الآن ؟.
حسنًا، بالتأكيد سنصافح بعضنا البعض، ولكن احرص عل تنظيف يديك وتجفيفها بشكل صحيح عدة مرات كل يوم.
يعتقد معظمنا أن أعضائنا الخاصة بحاجة إلى مزيد من التطهير و ربما يستخدمون غسولًا معينًا لذلك، أو مناديل مبللة أو نوعًا معينًا من الصابون للشعور بالانتعاش أو منع الحكة أو بعض الروائح.
ولكن هناك بعض المخاطر الصحية المحتملة عند الافراط من استخدام هذه المنتجات. ففي دراسة معينة أجريت في جامعة جويلف في كندا أن النساء اللواتي يستخدمن مثل هذه المنتجات أكثر عرضة للإصابة بنوع معين من العدوى المهبلية، أكثر بثلاث مرات من النمط الطبيعي.
كما أن لهذه المنتجات امكانية منع نمو البكتيريا الصالحة اللازمة لمكافحة العدوى. مما يؤدي إلى العديد من المشاكل الصحية، مثل مرض التهاب الحوض والمسالك البولية. لذلك لا تذهب دائمًا للمنتجات التي قد تؤثر على صحتك على المدى الطويل دون استشارة الطبيب.
معايير النظافة المعقولة التي من الجيد اتباعها
الخبر السار، هو أن هناك مستوى مقبول من
التطهير من وجهة نظر علمية يسمى "النظافة الإنتقائية المستهدفة" وهذا
يعني الحفاظ على مستوى عالٍ من التطهير في الوقت المناسب وفي المكان
المناسب.
- فبدلاً من تنظيف أو تطهير المنزل بأكمله بشكل يومي خاصة إذا كنت تكره الأعمال المنزلية، تأكد من تنظيف مفاتيح الإنارة ومقابض الأبواب وسطح المطبخ وألواح التقطيع والمرحاض، بالإضافة إلى الميكروبات الأخرى على الأسطح المعرضة للاستخدام المفرط. ولكن بالنسبة لتنظيف السقف ومسح الأثاث جيدًا، يمكن عمل ذلك كل 6 أشهر.
- هناك حشرة تسمى "بق الفراش" لها خاصية أنها تحتاج إلى بيئة رطبة للبقاء، لذا يجب تعريض ملاءات السرير للهواء أو ضوء الشمس بعد الاستيقاظ وعدم إبقائه مطويًا.
- من الأفضل التوجه إلى المساحات المفتوحة، وممارسة الأنشطة الخارجية و الرياضة وتعريض جسدك إلى التنوع الموجود في الطبيعة من أجل تعزيز نظام المناعة لديك ومنع البكتيريا من الالتصاق بجسمك.
- مشكلة كبيرة تواجهها المنازل الحديثة التي يتم إغلاقها بإحكام من أجل الحفاظ على الحرارة. مثل هذه المنازل الغير مهواة بشكل صحيح. تتراكم المواد الكيميائية الغبار داخلها.
- تأتي هذه المواد الكيميائية من استخدامنا المفرط للمنتجات المضادة للبكتيريا بالإضافة إلى مواد الطلاء وتلميع الخشب والمواد التي نستخدمها لغسل السجاد. لذا يقترح الباحثون استخدام مواد التنظيف الطبيعية. كالخل والكلور والليمون....
أبرز مواد التطهير والنظافة الطبيعية
أغلب هذه المواد الطبيعية موجود في مطابخنا، ويمكن استعمالها بخلطات ان امكن، مثل:
- الخل
- الليمون
- بيكربونات الصوديوم
- الجوز
- الملح
- صودا الخبز
طرق تطهير ذكية ؟
لا تقل أنه ليس لديك مشكلة لأنك تستخدم نظام تنقية الهواء لأن مثل هذه الأنظمة في الواقع ليست فعالة في حالة وجود معطرات للجو ورذاذ منظفات لأنها تصبح لها القدرة فقط على التقاط الجزيئات الكبيرة مثل الشعر والغبار.
المركبات العضوية المتطايرة الموجودة في البيئات المغلقة تسبب مشاكل صحية مثل الدوخة والربو والحساسية وأحد الحلول لمثل هذه المشاكل سيكون استخدام نباتات الزينة بشكل جيد، وكان هذا الاكتشاف بفضل باحثون في جامعة نيويورك.
أجروا تجربة اكتشفوا فيها قدرة هذه النباتات على امتصاص خمسة أنواع مختلفة من المواد المتطايرة ووجدوا أن نبات "بروميلياد" قادرة على امتصاص ما يصل إلى 80٪ من المواد المتطايرة في المنزل. بينما نبتة "دراسينا" فامتصت ما يصل إلى 90٪ من تلك المواد.
لذا فإن فتح النوافذ وتهوية المكان مهم جدًا على مقربة من بعض نباتات المنزلية، سيساعدها على أداء وظائفها بطريقة أفضل.
هل مواد التنظيف الكيميائية تشكل خطراً على صحتي ؟
أكثر الأشخاص المعرضين لمخاطر التطهير هم أولئك الذين يعملون في مجال التطهير نفسه. تقول الدكتورة "سيسيليا سفانيس" من جامعة بيرغن في النرويج. أن تأثير المواد الكيميائية على المدى القصير قد ظهر، ولكننا لا نعرف ما الذي سيحدث للرئتين مع تقدم الشخص في السن.
لذلك قادت سيسيليا ببحث في الجامعة لتحليل أكثر من 6000 مشارك في مسح صحي تم إجراؤه في أوروبا وتم متابعتهم لأكثر من 20 عامًا.
تم التوصل إلى النتيجة في فبراير 2018، وأظهرت انخفاض كبير في سرعة وظائف الرئة مثل الاستنشاق كالشهيق والزفير لدى الأشخاص الذين ينظفون دائمًا.
بالاضافة، لمشاكل في العين جراء أبخرة تلك المواد، وكذلك مشاكل في نبرة الصوت وغيرها.
لذلك يأمل الباحثون أن يقوم المصنعون بتطوير منتجات تنظيف لا يمكن استنشاقها. لأن المتوفرة حاليًا مخصصة لتنظيف الأسطح وليس الرئتين.
الماء هو أصل النظافة
دعني أسألك، ما هو أول شيء نحتاجه لنبدأ التنظيف ؟
يمكن للمرء أن يقول، نحن نستحم أو نغسل أيدينا أو ننظف الحمام والمطبخ كل هذا يتم بحضور الماء.
لذا هل لاحظت أن الماء متزامن في جميع مراحل التنظيف. فكيف ننظف الماء لاستخدامه في التنظيف ؟
الإجابة هي "الكلور" الذي أصبح منذ عام 1904 معتمداً في تعقيم المياه، ولكن كيف يقتل الكلور الميكروبات دون أن يقتلنا في هذه العملية ؟
لحسن الحظ، عندما نشرب مياه الشرب المعالجة بالكلور، هناك مواد معينة في جهازنا الهضمي تثبط من التأثير السلبي للكلور. على الرغم من أن البعض يقول أن للكلور آثارًا جانبية على المدى الطويل.
أخيراً، التطهير هو شيء لطيف ومهم ليس فقط جسديًا ولكن نفسيًا أيضًا. وليس هناك ما هو أسوأ من الأشخاص الغير النظيفين. فهم بهذا يؤذون أنفسهم في الواقع ويؤذون الأشخاص من حولهم أيضًا.
ولكن اتخاذ معيار نظافة مناسب نتبعه في حياتنا سيسهل من حدة الأمر
وسيعود علينا بشكل أفضل من الافراط فيها. لذا فمن الصحيح أننا نحتاج دائمًا إلى
تنظيف أنفسنا ولكن دون مبالغة.
المصدر
↚
↱1