أصبحت المينيماليزم أو التقليلية شائعة، على الرغم من أنها مفهوم موجود منذ عصور. حيث أصبحت منتشرة في جميع وسائل الإعلام الرئيسية، والأفلام الوثائقية، ويتم استخدامها في مختلف الصناعات، بما في ذلك الموضة والتصميم والطعام والتكنولوجيا والجمال والإسكان والمزيد.
ولكن في ظل كل هذا يجب أن نفكر قليلاً، ماهو أسلوب حياة المينيماليزميين هذا؟، وهل هو فعال حقاً أم مبالغة في البساطة وفقط؟ هذا ما سنتعرفه عليه في الأسطر القادمة.
![]() |
المينيماليزم بين البساطة والمبالغة |
المينيماليزم وكيف ظهرت؟
في القرون القديمة كانت التقليلية حاضرة عند المسلمين والبوذيين وغيرهم من الشعوب. لكن لم يكن متعارف عليها كمعنى بشكل واسع. فقد كانت نمط عيش طبيعي نظراً للبساطة التي كانوا يحظون بها.
الى غاية انطلاقة القرن التاسع عشر 1800، حين كانت البداية بكبح جماح الازدراء والايماءات وإضافات الأجيال السابقة في عالم الفن والتصميم.
بعدها كانت لوحات فرانك ستيلا السوداء في متحف نيويورك عام 1959 مثالاً على بدايات هذا النمط من البساطة في الظهور، ليلحق به العديد من الفنانين الآخرين لاحقاً ككارل أندريه ودان فلافين ودونالد جود وسول ليويت وأجنيس مارتن وروبرت موريس.
هناك اقتباس للفنان فرانك ستيلاً المشهور، جذبني كثيراً يقول:
ما تراه هو ما تراه.
قفزت بعدها التقليلية أو البساطة منذ 1920 الى المنتجات لما قدم طلاب مدرسة بأوهاوس الألمانية بديلاً لمنتجات مصنعة بطريقة غير طذابة بأخرى أكثر ابداعاً وذات مواد بسيطة ومتوفرة. وهذا ما أصبح الهاماً لانطلاقة جديدة للمصطلح.
في الستينيات اشتهر مصطلح المينيماليزم، وازداد تفرعه من الكتابة (التقليل من الاستعارات) والعمارة والتصميم، الى المواد الصناعية والمساحات البيضاء والخضراء، الى الأعمال الأنيقة.
واصل هذا المصطلح التطور الى غاية الالفينيات ووصل حتى في العلاقات، وانتشر بشكل أوسع للأطعمة والموضة والسفريات، بل وأصبح له حركات واحتجاجات عن كل ماهو خارج عن اطار البساطة أو مكلف عن طبيعته.
يشرح أنصار المينيماليزم اليوم هذا الاتجاه من الحياة، بأن:
اقتناء اشياء أكثر لا يعني حياة أفضل.
ويرجحون أن الاقتصاد في هذه المعاملات، سينعكس بشكل أفضل على البلدان وشعوبها، وبالتالي امكانية الوصول لمن يصل متأخراً.
اليوم أصبحت الحركة أكبر والمصطلح ذو انتشار أوسع، وله سفرائه في كل مناطق العالم. لكن يبقى السؤال الأكبر لمن يعارضون هذا النمط من الحياة. أأملك المزيد من أجل اقتناء القليل؟
![]() |
لوحات فرانك ستيلا الفنية |
مفهوم التقليلية "Minimalisme"
عندما سئل جوشوا بيكر في كتاب الكثير من القليل، قال:
التقليلية هي الترويج المتعمد للأشياء التي نقدرها كثيرًا، وإزالة أي شيء يصرف انتباهنا عنها.
هذا يصف المينيماليزم بشكل مثالي. بأن يتعلق الأمر بالحصول على فهم واضح لما نقدره أكثر في حياتنا. ونعني هنا الأشياء التي تشغل المساحة والوقت. بعدها نقوم بإزالة أي شيء آخر يعيق أكثر ما نقدره في حياتنا.
في جوهرها، البساطة هي أن تكون مقصودًا بالطريقة التي تعيش بها حياتك بأن تتعمد الإستهلاك أقل، بالتالي السماح فقط بما يتوافق مع أهم قيمك لشغل مساحتك ووقتك.
كيف أطبق أسلوب الحد الأدنى على حياتي
قد يهرب البعض عند محاولتهم تجريب هذا النمط دون الاطلاع حول كيفية تطبيقه. فالميناميليزم ليست أن تحرم نفسك من الأشياء. بل أن تسئل نفسك 3 أسئلة مهمة قبل أن تقبل على جلبها:
- هل أحتاجها؟
- هل أحبها؟
- هل أستخدمها؟
الفوائد من اكتساب أسلوب حياة بسيط وتقليلي
حياتنا الحديثة بعيدة كل البعد عن الحد الأدنى، وربما تكون متطرفة أو متوسطة؟
ومع وجود الكثير من عوامل التشتيت من حولنا، غالبًا ما نجد صعوبة في توفير الوقت والمساحة للاستمتاع بالأشياء البسيطة في الحياة، مثل قضاء الوقت مع أحبائنا، أو ممارسة الرياضة، أو الإبداع، أو الطهي، أو حتى عدم القيام بأي شيء.
نحن مشغولون جدًا بالغرق في الفوضى الجسدية والرقمية والعقلية، مما يؤدي إلى زيادة القلق والشعور العام بعدم الرضا.
هذا ليس رأينا فقط، حيث تشير الأدلة العلمية إلى أن الفوضى ترفع مستويات الكورتيزول وتعطل التركيز. لذا فالتقليلية هي ترياق لتلك الحالة من الحمل الزائد. هذه نظرة عامة على أسلوب الحياة البسيط، ولكن هناك الكثير لهذا المفهوم.
1. البساطة تعني التخلص من كل شيء
لا يتم ربح أي شيء من خلال التخلص من كل شيء.
لذا فإن التقليلية تتعلق أكثر بتعلم ما يهمك أكثر من مجرد إلقاء حياتك في سلة المهملات. حيث يتعلق أساس الأمر بإعادة اكتشاف هواياتك واهتماماتك المفضلة والتفاعل مع الأشخاص الذين يرفعون من شأنك. كما يتعلق بالتخلي عن الأشياء وحتى الاشخاص التي تسبب لك التوتر.
الحد الأدنى لا يرمي كل شيء خلفه، سيكون ذلك غير منطقي وعملي. كما أن توليد الكثير من النفايات أيضاً ليس صديقًا للبيئة. فهل تعرف ما يمكننا رميه في سلة المهملات؟ لم تتسائل طبعاً؟.
2. أصحاب الحد الأدنى يشترون بعقلانية
لا يزال الكثير من الناس يشتري أشياء جديدة بشكل مزعج.
وهذا أمر جيد ما دمت تستفيد من هذه الأنواع من الأشياء. لكن ما سيجعل هذه العملية فعالة أكثر هو استبدال الاشياء العاطلة أو الغير مجدية. أو أن تكون جديدة وذات تأثير مساعد بالفعل.
ولنوضح أكثر، في بعض الأحيان نشتري أشياء جديدة تجعلنا سعداء. لكن ما يجب أن نحذره هو الشراء باندفاع دون دراسة متأنية.
3. العمل بالتقليلية يأخذ وقتاً وليس بين ليلة وضحاها
تحدث سياسة الحد الأدنى بشكل مختلف للجميع، فلن يتعامل شخصان مع الأمر بنفس الطريقة، لذلك من السخف أن تقول "سيحدث ذلك بين عشية وضحاها" أو "لا تصدم نظامك، خذها ببطء".
كلنا مختلفون. نحن بحاجة إلى شق طريقنا نحو أسلوب حياة بسيط. نحتاج أيضًا إلى وقت للتكيف مع طريقة جديدة للحياة، وقد تكون هذه الفترة أطول أو أقصر حسب حالتك وظروفك.
لقد وجدنا أن التحول التدريجي من التشتت والارتباك والفوضى إلى الحياة الواضحة الهادفة هو الجزء الأكثر إثارة في تجربة المينيماليزم.
4. التقليل ليس بالأرقام
ربما تكون قد لاحظت أن الحد الأدنى من الأشخاص الذين يمتلكون أقل من 50 شيئًا وينامون على الأرض. ساهم هذا الاتجاه في فكرة أن التقليلية تدور حول رقم. الشخص الذي يمتلك أقل كمية من العناصر هو الفائز.
إنها منافسة داخل المجتمع. في بعض الحالات، يشعر الناس بالخزي لامتلاك الكثير من الأشياء، وهذا يحتاج إلى التوقف والتفكير جيداً.
لكن لا يمكن أن نجعل الأمر تتعلق بالأرقام، بل بما يجعلك تشعر بالإنتاجية والسعادة. فإذا كنت تمتلك أكثر من 100 شيء، فهي كذلك؟
وطالما أنك واثق من أن ما تمتلكه ضروري (كن صادقًا) ويحقق لك الرضا، فإن وجهة نظرك لهذه العقلية تعمل بشكل جيد بالنسبة لك.
5. المينيماليزميون أكثر عطفاً
من الخارج بالنظر إلى الداخل، قد يبدو الأمر باردًا إلى حد ما كيف يمكن بسهولة أن يتجاهل التقليل من الأشياء التي كانت ذات يوم عاطفية في حياتهم. ولهذا السبب يُنظر إلى أصحاب نظرية الحد الأدنى من الناس على أنهم منفصلون أو غير عاطفيين.
ومع ذلك، فإن معظم المينيماليزميون الذين أعرفهم عاطفيون. نحن فقط نحافظ على الذكريات حية من خلال الصور وإدخالات اليومية بدلاً من الهدايا التذكارية المادية.
لا يعني الاحتفاظ بذكرى أننا بحاجة إلى الاحتفاظ بالأشياء المادية التي تعطينا تلك الذاكرة. تعيش هذه المشاعر في داخلنا، وهذا شيء لا يمكن أن يسلبه فقدان أحد العناصر منا.
6. أسلوب الحياة البسيط مريح ان كان مستداماً
يعتقد بعض الناس أن التقليلية مؤقتة وغير مستدامة، وكأنها مجرد مرحلة سننتهي منها في النهاية. لكن في الحقيقة هي عقلية وليست مرحلة. فإذا تعاملت مع الأمر على أنه مؤقت، فلن يعني ذلك بدرجة كافية الاستمرار.
ومع ذلك، إذا كنت تشعر بفوائد الإقلال من كل شيئ، فلن يهم من تعيش معه أو بيئة عملك، أو أن تنتقل إلى المدن، فالمبادئ ستستمر معك.
7. البساطة ليس لديها أسلوب
ثقافيًا، غالبًا ما نربط الأسلوب بوجود المزيد من الخيارات، كوننا أكثر إسرافًا، إذا كانت هذه الأشياء تهمك، فلا داعي للتخلي عنها وادخلها قائمة التقليل.
في حين أنه من الصحيح أن الجماليات البسيطة تركز على البساطة، إلا أن هذا لا يعني أن هذا هو ما ينبغي أن يكون عليه الجميع. طالما أن كل شيء تمتلكه له غرض واضح، فلا داعي للقلق.
السمة المشتركة التي وجدتها لدى البسطاء هي أنهم لا يتبعون اتجاهات الموضة أو ديكور المنزل.، فهم لا يتفاعلون مع التوصيات السائدة ويركزون بدلاً من ذلك على القطع الخالدة.
عندما يقول شخص ما أن من يعيشون بالحد الأدنى ليس لديهم أسلوب، فإن ما يقولونه حقًا هو أنهم لا يرون أسلوبًا يتعرفون عليه ويمكنهم تمييز ايجابياته على الفور.
8. الإقلالية تدور حول الحرمان الايجابي
عند تقييم القيمة الحقيقية لأسلوب الحياة البسيط، أعتقد أننا فهمناها بشكل خاطئ. لطالما دعا خبراء إلى أن التقليلية هي نهج للرغبة والقيام بأقل من ذلك.
في رؤيتنا، البساطة هي نهج للرغبة والقيام بالمزيد. لكن الأهم من ذلك، أننا نخصص بعض الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة التي تتعلق بالتقليلية، لكن في النهاية نقوم بإضافة أكثر مما جاء به الطرح.
ومع ذلك، من الجيد دائمًا الحصول على وجهات نظر متعددة وتثبيت مفهوم أكثر من طرف أصوات جربت المجال.
فلو مثلنا بجانب الطعام، يروى عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه قال: رأى عمر بن الخطاب لحمًا معلقًا في يديّ فقال: ماهذا يا جابر؟ قلت اشتهيت لحمًا فاشتريته، فقال عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت ياجابر، أما تخاف هذه الآية ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) سورة الأحقاف آية (20).
تجارب أشخاص اتخذو المينيماليزم نمط عيش
أن تكون صغيرًا وأن تظل صغيراً هو فن، إنه ينطوي على محاربة الضغوط الاجتماعية والإعلان للحفاظ على حريتك. هذا يعني أن تكون راضيا بالقليل. هذا يعني أيضًا أن تكون واثقًا مما لديك بالفعل. هذه هي عقلية المينيماليزم.
فيما يلي بعض دراسات الحالة لأشخاص أتقنوا فن الأشياء الصغيرة وأصبحوا أفضل كثيرًا بسببها.
المزيد من المال، المزيد من المشاكل
كولين رايت مؤسس Exile Lifestyle، أدار استوديوًا للعلامات التجارية في لوس أنجلوس، بكسب 150 ألف دولار سنويًا.
وحتى في ذلك الوقت، عرضت عليه شركة أخرى راتبًا أكثر ربحًا. ولكن بدلاً من القيام بما سيفعله معظمنا ومطاردة الدولارات الكبيرة، قام كولين بتغيير جذري في نمط الحياة وأصبح مؤلفًا منشورًا ذاتيًا.
مكّنه هذا المسار الوظيفي الجديد من العيش في بلد مختلف كل أربعة أشهر ودعم نفسه بشكل مريح بأقل من 30 ألف دولار سنويًا. لديه الآن سعادة وحرية أكثر مما كان عليه عندما يكسب خمسة أضعاف ما هو عليه الآن.
لا توجد سيارة، لا مشكلة
ذهب ليو بابوتا وزوجته وستة أطفال صغارًا وتخلوا عن سيارة العائلة. عندما انتقلوا إلى المدن، قاموا عن عمد بشراء منزل قريب من وسائل النقل العام. تستقل الأسرة المكونة من ثمانية أفراد الحافلة والقطار والركوب والمشي في كل مكان.
كانوا يدخرون المال ويحسنون صحتهم في نفس الوقت. علاوة على ذلك، فإن الحياة الخالية من السيارات تخلق المزيد من التجارب.
المشي رائع. إنه لا يكلف شيئًا، ومع ذلك تحصل على هواء نقي، وترى الناس، وترى الطبيعة، وترى المتاجر والمطاعم والمنازل والنباتات التي لم تكن موجودة في سيارة.
تحصل على شكل رائع، يمكن لطفلي البالغ من العمر أربع سنوات المشي لأميال والغناء أثناء القيام بذلك. ركضت فوق التلال.
تقليص حجم منزلك وحياتك
كان جوشوا بيكر وعائلته يعيشون الحلم الأمريكي. لقد اشتروا للتو منزلًا من طابقين بمساحة 2200 مترًا مربعًا ليعيشوا حياتهم.
ومع ذلك، عندما تبنى جوشوا عقلية الحد الأدنى، تمكنوا بعد ثلاث سنوات من شراء منزل نصف الحجم الأول وخفض مدفوعات الرهن العقاري إلى النصف على طول الطريق.
بالإضافة إلى توفير المال، فقد وفروا الوقت في الاحتفاظ بممتلكات أكبر.
لمن أراد مشاهدة فيديو يلخص الحالة وأسلوب الحياة الميناميليزمي.
أخيراً، يرى الكثيرون اليوم بأن المينيماليزم ليست البساطة كما يعتقد روادها، بل هي المبالغة في حد ذاتها. فكيف أكسب مثلاً أكثر وأصرف أقل بأن لا أمتلك حتى سيارة؟.
في الواقع رأي منتقدي هذا الأسلوب عن نظرية الإقلال منطقي، لكن في مثال السيارة وبما أن توفر ظروف المواصلات بأنواعها جيد. فلا داعي لأعباء وازدحام أكثر.
أما من أجل السفر والعطل فيمكن لكراء عربة أن يفي بالغرض ويأتي بميزانية أقل من تلك السيارة الخاضعة للصيانة وتعبئة الوقود بشكل دوري مثلاً.
المصدر
↚