![]() |
لماذا نمل بعد أيام من تسطير أهداف جديدة؟ |
أصبح الانسان اليوم كما يصفه أفراد الجيل السابق، "ضعيفاً جداً". نعم هكذا يحبون وصف جيلنا ولا ألومهم على ذلك، فصراحةً مقدار الخمول ولا مسؤولية المنتشرة في أوساطنا تجعلني أضم صوتي لصوتهم، رغم أن الكثيرين يتصورون الأمر على أنه مجحف في حقنا.
أما سر اقتناعي بهذا الوصف فراجع للركود الذي يقبع به الأشخاص وبلوغ عجزهم حد الانتقال بين تطبيقات الهواتف.
جهد أقل ونتائج أكبر، معادلة يعجز سحرة فرعون حلها. فكيف نريد بلوغ العلى، بغير سلالم العمل. باختصار هناك مفهوم واحد يؤمن به العالم، وهو:
لو كان سهلاً لفعله الجميع
لذا أردت اليوم أن أطرح معكم موضوعاً للنقاش. عن لماذا يفشل أغلبيتنا وأنا معكم طبعاً في كثير من الأحيانا على بلوغ أو حتى الحفاظ على أهدافه الصغيرة مثلاً السنوية أو شهرية، ويتخلى عنها منذ أسابيعها الأولى.
ولماذا نترك هذه الأيام تمر سدى دون أن نحرك ساكنين لانقاذ ما يجب انقاذه، أم أن معظلة الخيبة والملل أصبحت روتيناً ينقذنا من شبح التغيير.
كل هذا وأكثر سيكون على طاولة مقالنا للنقاش الذي الذي سيكون محاكي ليومياتنا المؤسفة.
لنعد من البداية
كل سنة نسطر أهدافاً جديدة، قد نحفظها أو ندونها في ورقة، لنعلقها أمامنا مدة أسبوع أو أسبوعين. لينتهي شغفنا اتجاهها بعد فترة زمنية قصيرة، ثم تهترئ وتسقط هي الأخرى مطبقتا القانون الثالث لنيوتن.
طبعاً كي نفسر المشكلة، علينا بالعودة الى أساسها وهو خوفنا المتأصل من التغيير، حيث يمتلك الدماغ مناعة نفسية ضد كل ما يهدد راحته، ويثبط أي شعور للتغيير يتولد لديه.
وباستماعنا لذلك الصوت الداخلي الضعيف، نمل ويتناقص شغفنا بمرور الزمن، ونعود لحياتنا النكدة السابقة، وندخل في حالة من الروتين القاتل.
لكن صراحةً، قد تجد بعضنا يحاول أحياناً تغيير شيئٍ ما إما لعدم رضانا أو لنقص ما ينخرنا، لنتيه في مرحلةٍ انتقالية تتم بشكل خاطئ كلياً، وقد لا ندرك ذلك.
لتقريب المفهوم أكثر، راقب معي المثال التالي: هناك شخصان أقلعا عن التدخين، وفي إحدى الردهات التقيا بآخر عرض عليهما تدخين سجارة.
- أجاب الأول: آسف، أحاول الاقلاع عنه.
- أجاب الثاني: آسف، أنا لا أدخن.
إجابتين متقاربتين، لكن تأثيرهما النفسي أعمق، فالأول لا يزال في حالة تردد، أما الثاني فهو مصمم منذ البداية.
وهذه هي النقطة التي يخطأ الكثير في فهمها، بل وحتى لا يدركونها. لذا تابعوا مزيداً عنها حتى النهاية.
إذن كيف أبدأ
في كتاب لسيمون سينيك عنوانه "ابدأ بلماذا"، يشرح لنا نمط التغيير ودوائره الثلاثة. التي ان لم نتبعها تهنا داخل حلقاتٍ مفرغة.
- الدائرة الأكبر (الخارجية): تضم هذه المساحة الأهداف والغاية المراد بلوغها، كالتخرج، أو الاستثمار...
- الدائرة الأوسط: هذه الدائرة أصغر ومحتواة في الدائرة الخارجية الأكبر، وتمثل الطرق والآليات التي نتخذها (عادات، تعلم، أفكار، ترتيب المهام وغيرها). تتطلب الأخذ بالأسباب واتخاذ خطوات فعلية اتجاه هدفك.
- الدائرة الأصغر: تقبع هذه الأخيرة داخل الدائرة الأوسط، وتمثل الهوية والشخصية، أي أفكارك ومعتقداتك، وكيف ترى نفسك، والطريقة التي تنظر بها الى العالم.
![]() |
دوائر التغيير الثلاثة لسيمون سينك |
ما قد تلاحظه من خلال هذه الدوائر، أن دائماً التغيير لدينا يأتي من الخارج. ستتسائل كيف ذلك؟
إن الشروع في أي تغيير معين مباشرةً، بحثاً عن نتائج سريعة كتضخيم عضلاتك أو تعلم لغة جديدة مثلاً، يتصادف سريعاً أمام جبل الملل وطريق النتائج الطويل، لتيأس من أولى محاولات.
ففي الحقيقة، تلعب الدائرة الصغيرة المتمثلة في "الهوية" حجر الأساس في بناء عادات جديدة وبلوغ الأهداف، فخطوات الملل لا تطأ أبداً خريطة الشخصية القوية المتحكمة.
أمثلة حول ذلك:
أريد أن أبدأ قراءة بهذا الكتاب (نتيجة).
سألتزم بخمسين صفحة كل يوم (عملية).
إذا لم أفعلها، سأقوم بتغيير الكتاب، أو تقليل عدد الصفحات لعشرين (هوية).
تحليل العلاقة بين الأهداف والهوية
على الأغلب، نحن دائماً ما نسعى لتغيير العمليات والطرق المستعملة في بلوغ أهدافنا أملاً في استجابة مختلفة. دون أن نحاول التغيير من "هويتنا" التي من شأنها أن تنعش عملية التغيير.
يبدأ الأمر من المعتقدات والإيمان الذي نشأنا حسبه، فنجد الكثيرين يهابون التغيير في قرارت أنفسهم. ويرسخون تلك العقلية الخاملة دون أن يصححوها أو أن يغيرو حرفاً منها. فالايمان بانك قارئ يختلف عن كونك تبحث عن انهاء كتاب.
لذلك الشخص الأفضل لمقاومة الملل وطول المسار ومحاربة الروتين، هو المرن والأكثر قابلية لبلوغ الهدف. فهو يعي جيداً حجم ما هو مقبل عليه، بتغيير فكره اتجاهه، مع رؤية شاخصة تستقر نحو الهدف المنشود وفقط.
كيف نبلغ أهدافنا دون الوقوع في الملل
![]() |
الأهداف والملل |
قد تنمي لك الأسطر القادمة، فكراً جديداً عن بلوغ الاهداف، وهذا بتغيير فلسفتك اتجاه الأمور والأحداث من حولك بـ:
- تركيز فيما تريد بلوغه.
- تحليل الوضع جيداً، وهل يتماشى مع ما تريده.
- تغيير من نمط تفكيرك التسويفي، "ما دمت مسوفاً فلن تصل أبداً".
- اجعل التغيير جزءاً من حياتك، بالتفرغ له ولو 15 دقيقة يومياً.
- حارب في أيامك الأولى ولا ترضخ لصوت عقلك.
- راجع ما يتطلبه هدفك بعناية.
- سؤال ذوي الخبرة عن مطبات الطريق مسبقاً.
- اعلم ان مبتغاك بعيد، لكنه أقرب بعقليتك.
- نمي عادات جديدة فعالة تساعد على بلوغ هدفك.
- تدرب في فرق أو احتك مع أساتذة المجال.
لا بأس بتكبير عضلاتي، لكن اريد ان اصبح رياضياً متمرساً.
لا بأس أن تقرأ كتاباً، لكن اريد ان اصبح كاتباً.
لا بأس بكتابة بعض اكواد برمجية الناجحة، لكن اريد ان اكون مبرمجاً.
يبدو أنك قد لاحظت مدى التغيير الذي سيطرأ على الفرد بمجرد تغييره "للهوية" التي هو قائمٌ عليها. فالأجدر له البدأ في تصحيح وإصلاح "هويته القديمة". بإدراج معاني ومصطلحات أقوى لقاموسه العقلي السابق.
طرق للتغيير من هويتي القديمة
السؤال الجوهري الذي يجب أن تسئله لنفسك، عن أي هدف تريد بلوغه، هو "لماذا".
فمثلاً، لماذا ذلك الشخص مجتهد، هل لأنه:
- يحْضر كل المحاضرات.
- يدرس لساعات أطول.
- يراجع بطريقة ذكية.
- هناك من يساعده.
المزيد من الأسئلة يعني المزيد من النور للظلام الذي يلف القضية. ومع الممارسة المستمرة وتدرج بمراحلها دون أن جزع، ستفتح الطريق نحو مبتغاك.
التغيير القائم علي الهوية هو أفضل وأسرع من التغيير القائم علي النتائج. ولا تنس أن خلف كل نظام يوجد مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تؤدي إليه، وبالتالي إذا لم تغير من هذه الأفكار فلن تتغير هويتك القديمة.
دون تحضير نفسي صلب، ستعود لهويتك القديمة لتعوق هذا التغيير من جديد، وكثرة كسر التغيير ستولد مرحلة أصعب من بناء التغيير في كل مرة.
لذا انتبه لهويتك جيدًا. وما تريد أن تكون عليه. والأهم من هذا، ألا تضع نفسك تحت الضغط، بأن تصر علي نفسك باستمرارها على الوصول للنتيجة المطلوبة وفي أسرع وقت.
لأن هذا سيؤدي بك للانفجار ولن تتابع. بل افعلها وأنت تستمتع، ولو بخطوات بسيطة ولكن حافظ عليها. قراءة 10 صفحات كل يوم، كتابة فقرة كل يوم، مشاهدة فيديو واحد من الكورس الذي تريده، الجري لعشر دقائق أو ممارسة الرياضة ببضع حركات...
يقول أحمد الشقيري:
قليل دائم، خير من كثير منقطع
فالحياة هي سباق طويل يكسب فيها مَن كان نفسه طويلًا، وليست مارثون قصير. لذا تعلم الصبر قبل النتائج.
في الأخير، ولبناء عادات أفضل، وبناء واجهة نفسية قوية، لخص كتاب عادات ذرية علينا الأمر بشكل ممتع، يمكنكم الاطلاع على الكتاب فقد ضالتك من زاوية أخرى قد تساعدك في مشروع التغيير القادم.